السبت، 17 يناير 2009

لا تصالح * شعـــــ أمل دنقل ـــــر *






(1)

لا تصالحْ!
ولو منحوك الذهبْ
أترى حين أفقأ عينيكَ
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..:
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما..
وكأنكما
ما تزالان طفلين!
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..
تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!


(2)
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
جئناك. كن -يا أمير- الحكم
سيقولون:
ها نحن أبناء عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا،
وأخًا،
وأبًا،
ومَلِك!


(3)
لا تصالح ..
ولو حرمتك الرقاد
صرخاتُ الندامة
وتذكَّر..
(إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة)
أن بنتَ أخيك "اليمامة"
زهرةٌ تتسربل -في سنوات الصبا-
بثياب الحداد
كنتُ، إن عدتُ:
تعدو على دَرَجِ القصر،
تمسك ساقيَّ عند نزولي..
فأرفعها -وهي ضاحكةٌ-
فوق ظهر الجواد
ها هي الآن.. صامتةٌ
حرمتها يدُ الغدر:
من كلمات أبيها،
ارتداءِ الثياب الجديدةِ
من أن يكون لها -ذات يوم- أخٌ!
من أبٍ يتبسَّم في عرسها..
وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها..
وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،
لينالوا الهدايا..
ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ)
ويشدُّوا العمامة..
لا تصالح!
فما ذنب تلك اليمامة
لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،
وهي تجلس فوق الرماد؟!


(4)
لا تصالح
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟
وكيف تصير المليكَ..
على أوجهِ البهجة المستعارة؟
كيف تنظر في يد من صافحوك..
فلا تبصر الدم..
في كل كف؟
إن سهمًا أتاني من الخلف..
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة
لا تصالح،
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ -بذؤابته- لحظاتِ الشرف
واستطبت- الترف


(5)
لا تصالح
ولو قال من مال عند الصدامْ
".. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام.."
عندما يملأ الحق قلبك:
تندلع النار إن تتنفَّسْ
ولسانُ الخيانة يخرس
لا تصالح
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟
كيف تنظر في عيني امرأة..
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟
كيف تصبح فارسها في الغرام؟
كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام
-كيف تحلم أو تتغنى بمست??بلٍ لغلام
وهو يكبر -بين يديك- بقلب مُنكَّس؟
لا تصالح
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
وارْوِ قلبك بالدم..
واروِ التراب المقدَّس..
واروِ أسلافَكَ الراقدين..
إلى أن تردَّ عليك العظام!


(6)
لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن "الجليلة"
أن تسوق الدهاءَ
وتُبدي -لمن قصدوك- القبول
سيقولون:
ها أنت تطلب ثأرًا يطول
فخذ -الآن- ما تستطيع:
قليلاً من الحق..
في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك،
لكنه ثأر جيلٍ فجيل
وغدًا..
سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،
يوقد النار شاملةً،
يطلب الثأرَ،
يستولد الحقَّ،
من أَضْلُع المستحيل
لا تصالح
ولو قيل إن التصالح حيلة
إنه الثأرُ
تبهتُ شعلته في الضلوع..
إذا ما توالت عليها الفصول..
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)
فوق الجباهِ الذليلة!


(7)
لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم
ورمى لك كهَّانُها بالنبأ..
كنت أغفر لو أنني متُّ..
ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.
لم أكن غازيًا،
لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
أو أحوم وراء التخوم
لم أمد يدًا لثمار الكروم
أرض بستانِهم لم أطأ
لم يصح قاتلي بي: "انتبه"!
كان يمشي معي..
ثم صافحني..
ثم سار قليلاً
ولكنه في الغصون اختبأ!
فجأةً:
ثقبتني قشعريرة بين ضعلين..
واهتزَّ قلبي -كفقاعة- وانفثأ!
وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ
فرأيتُ: ابن عمي الزنيم
واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم
لم يكن في يدي حربةٌ
أو سلاح قديم،
لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ


(8)
لا تصالحُ..
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:
النجوم.. لميقاتها
والطيور.. لأصواتها
والرمال.. لذراتها
والقتيل لطفلته الناظرة
كل شيء تحطم في لحظة عابرة:
الصبا - بهجةُ الأهل - صوتُ الحصان - التعرفُ بالضيف - همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي - الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ - مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ

وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة
كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة
والذي اغتالني: ليس ربًا..
ليقتلني بمشيئته
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة
لا تصالحْ
فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..
(في شرف القلب)
لا تُنتقَصْ
والذي اغتالني مَحضُ لصْ
سرق الأرض من بين عينيَّ
والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!


(9)
لا تصالحْ

ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخْ

والرجال التي ملأتها الشروخْ

هؤلاء الذين يحبون طعم الثريدْ

وامتطاء العبيدْ

هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم

وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخْ

لا تصالحْ

فليس سوى أن تريدْ
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيدْ
وسواك.. المسوخْ!


(10)
لا تصالحْ
لا تصالحْ

هناك 37 تعليقًا:

حياتى نغم يقول...

جزا الله الشاعره وجزاكى أمى كل خير ، إنه ليس ثأرك وحدك .. لكنه ثأر جيل فجيل .
قال تعالى {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون } صدق الله العظيم .

zainab يقول...

بستان الحب

القصيده جميله سلمت يداكى التى اختارتها

وجزاه الله خيرا الشاعر أمل دنقل

كلمات جميله ومعبرة "لا تصالح!
فما ذنب تلك اليمامة
لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،
وهي تجلس فوق الرماد؟! "

تحياتى

غير معرف يقول...

الأمر ببساطة أن عهد الهوان والضعف قد ولى ... وقد آن لعهد الرجال أن يبدأ..

zainab يقول...

بستان الحب

نورتينى فى مدونتى (نور على نور)و أسعدنى تعليقك على تدوينتى

بالنسبه لتدوينتى أنا معك فى كلامك ولكن هل إذا شعرت الفتاة بالخجل هل يكون عليها ذنب؟

تحياتى

كما يسرنى تشريفك لى بمدونتى الأخرى (نور الحياة )

نبض الحياة يقول...

جزا الله الشاعرة خيرا
وجزاكى الله خيرا استاذتى
واكثر ما شدنى فى هذه الأبيات البيت الذى يقول :لا تصالح ولو قيل رأس برأس ، أكل الرؤوس سواء ؟
نعم فلا تتساوى الرؤوس ولن تتساوى .

بستان الحب يقول...

ابنتى حياتى نغم الشاعر امل دنقل من الرجال الذين تنبض كلماتهم بالحريه وعدم الخضوع هذه الكلمات عمرها ثلاثه وثلاثين عاما ولكن كأنها كتبت الآن الست معى؟اسعدنى مرورك

بستان الحب يقول...

ابنتى زينب كم انا سعيده بزيارتك لمدونتى تعليقك جعلنى ارى بداخلك حس ادبى عالى واختيارك لهذا البيت يدل على رقة المشاعر .ابنتى لقد اجبتك على سؤالك فى مدونتك جزاك الله خيرا على كلماتك العذبه

بستان الحب يقول...

ياريت يا صلاح يبدأ عهد الرجال كم نحن فى شوق لرؤية هذا العهد

بستان الحب يقول...

حبيبتى نبض الحياه وهل يستوى الاعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور ؟اسعدنى مرورك

ادم المصرى يقول...

السلام عليكم

ما اجمل ابياته وما اجمل كلماته

جزاكى الله عنا وعنكى وعن كاتبه خيرا ان شاء الله
مهما طال العمر مهما طالت السنين الغلبه لنا بأذن الله فهوا أمر لا محاله

ولا تهنو ولا تحزنو وانتم الاعلون***صدق الله العظيم

Unknown يقول...

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
بارك الله فيكم وحفظكم الله امنا الفاضلة
شعر وابيات اكثر من رائعه ووصف دقيق لما نمر به من احداث ويقول الله تعالي في محكم تنزيله :
"فلا تهنوا وتدعوا الى السلم وانتم الاعلون والله معكم ولن يتركم اعمالكم "
للاسف المصالحة تكون بين قوي وقوي او بين قوتين متكافئتين واننا ببعدنا عن دين الله عزوجل اصبحنا في منتهي الضعف وغيرنا الاشياء بغير اسمائها فصار المهانة والذل سلام والاستسلام مصالحة واهل الخنوع والضعف حكماء واهل المقاومة والجهاد اهل للارهاب
وان شاء الله المقاومة تعرف انه لاصلح ولا سلام مع قتلة الانبياء حتي يرحلوا عن اخر شبر من فلسطين او يموتوا هناك بإذن الله
--
حفظكم الله وجزاكم كل خير

إسلام يقول...

ل من قال "لا" في زمن انعقدت الالسنة عن قول تلك الكلمة..

وجزاكم الله خيرا على نقلها لنا

بستان الحب يقول...

ابنى آدم المصرى جزاك الله كل خير ثقتك بربك وبنصره تبعث الامل فى النفوس اسعدنى مرورك

بستان الحب يقول...

ابنى الفاتح تعليقك دائما يضيف الكثير والكثير الى التدوينه انا شخصيا استفيد منه استفاده كبيره جزاك الله الفردوس الاعلى

بستان الحب يقول...

ابنى الغالى وقرة العين اسلام كعهدى بك خير الكلام ما قل ودل دمت لى ابنا بارا

غير معرف يقول...

أنها نبوءه شاعر

شعر بأرهاصات مشاريع السلام الساداتيه

وتنبأ بأنه لن يكون هناك سلام حقيقى

وأن حمامات الدم العربى لن تتوقف

فأستلهم الشاعر من التاريخ النبوءه

وقد صدقت

وصرخ بها ب لا تصالح ولو منحوك الذهب

وثبت أن سلامهم ماهو إلا أيقاف للحرب

معنا وبدايه رحاها مع أخوتنا جيراننا

وأصبحنا على الحياد وهذا هو غايه المراد لهم

وأصبح أعداء أعدائنا أعداء لنا

أختيار موفق يناسب ما نحن فيه

ودمتى بخير

قلم حالم يقول...

والغريب انهم حتى الآن لم تكفيهم تلك الدروس وما زالوا يلهثون وراء المصالحة
لا أدري أصمم أم عمى أم غباء
أم كل ذلك ؟!!!

جزيت الجنة أمي

بستان الحب يقول...

الاستاذ الفاضل واحد من العمال حقا التاريخ يعيد نفسه ولكن هل من معتبر ام انه لايوجد احد يريد ان يعتبر ام ماذا ؟تعليقك اثرى التدوينه جزاك الله خيرا

بستان الحب يقول...

ابنتى الحبيبه وقرة العين يسرا هم كل هذا يا حبيبتى ادعو الله ان يطهر العالم من شرورهم

مهرة سالم يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
جزيتي خيرا على نقلك أختي ...
وإختيارك لهذه الأبيات الإبداعيه...لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟
.......
دمتي بخير..

مجدي هلال يقول...

جزاكم الله خيرا

بستان الحب يقول...

نهار اسعدنى مرورك واختيارك لهذه الابيات يدل على رقى وتفاعل

بستان الحب يقول...

واياكم زوجى الحبيب اسعدنى مرورك

موناليزا يقول...

الله عليك
اختيار موفق جدا

بستان الحب يقول...

موناليزا دمتى بالف خير اسعدنى مرورك

فى قلبى نور يقول...

أمى الحبيبة جزاك الله خيرا قد جمعت كل ما بداخلنا.سلمت يد شاعرنا لأول مرة أعجب بشعر كاعجابى بتلك القصيدة. يسعدنى أمى زيارة مدونتى

بستان الحب يقول...

فى قلبى نور اسعدنى مرورك سازور مدونتك حالا وباءذن الله هى جميله قبل ان اراها فالجواب يبان من عنوانه دمتى بخير

khaled يقول...

السلام عليكم ..
بسم الله ماشاء الله ...
قصيدة ممتازة .. وجزاكم الله خيرا ... ولا تحرمينا جديدك دومتي بخير
وربنا يفرح قلبك

بستان الحب يقول...

ابنى خالد اسعدنى مرورك رزقك الله سعادة الدنيا والآخره

MISS\GH يقول...

الله عليكى بجد مش قادره اوصف لك مدى تقديرى واعجابى بيكى
اتمنى لكى دوام النجاح والصمود وقوه الشخصيه والاصرار على التحدى
فى رعايه الله

NİSANUR يقول...

selamun aleykum I'from Türkiye,from Ankara,we are love Hamas

بستان الحب يقول...

Hello people of Ankara, where the principle of no-Sharif must love Hamas
Hamas is a symbol of pride and resilience

بستان الحب يقول...

MISS\GH
جزاكم الله خيرا على هذه الكلمات الرقيقة تقبل الله منكي وأسعدني مرورك

حياتى نغم يقول...

دعوه لمشاهدة الفيلم الوثائقى عن نكبة فلسطين والاشتراك فى مسابقته على هذا الرابط
www.kollonamoqawma.blogspot.com

غير معرف يقول...

سلام علیکم

فلتسمع كل الدنيا

فلتسمع كل الدنيا ... فلتسمع

سنجوع .. ونعرى

قطعا .. نتقطع

ونسفّ ترابك

يا ارضا تتوجع

ونموت .. ولكن

لن يسقط من أيدينا

علم الأحرار المشرع

لكن .. لن نركع

للقوة .. للفانتوم ... للمدفع

لن نخضع

لن يخضع منا

حتى طفل يرضع

************

ان النصر قریب انشاءالله
************************
اسمی محجوبه من جمهوری اسلامی ایران
http://astansabzsojood.parsiblog.com/

بستان الحب يقول...

حياتى نغم جزاكم الله خيرا تقبل الله منكم

بستان الحب يقول...

محجوبه من ايران اسعدنى مرورك كلماتك من القلب رزقك الله القبول